فصل: فصل: دية ثديا الرجل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي الشفتين الدية‏]‏

لا خلاف بين أهل العلم أن في الشفتين الدية وفي كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏وفي الشفتين الدية‏)‏ ولأنهما عضوان ليس في البدن مثلهما‏,‏ فيهما جمال ظاهر ومنفعة كاملة فإنهما طبق على الفم يقيانه ما يؤذيه‏,‏ ويستران الأسنان وتردان الريق وينفخ بهما‏,‏ ويتم بهما الكلام فإن فيهما بعض مخارج الحروف فتجب فيهما الدية‏,‏ كاليدين والرجلين وظاهر المذهب أن في كل واحدة منهما نصف الدية وروي هذا عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما وإليه ذهب أكثر الفقهاء وروي عن أحمد -رحمه الله- رواية أخرى‏,‏ أن في العليا ثلث الدية وفي السفلى الثلثين لأن هذا يروى عن زيد بن ثابت وبه قال سعيد بن المسيب والزهري ولأن المنفعة بها أعظم‏,‏ لأنها التي تدور وتتحرك وتحفظ الريق والطعام‏,‏ والعليا ساكنة لا حركة فيها ولنا قول أبي بكر وعلي رضي الله عنهما‏,‏ ولأن كل شيئين وجبت فيهما الدية وجب في أحدهما نصفها كسائر الأعضاء‏,‏ ولأن كل ذي عدد وجبت فيه الدية سوى بين جميعه فيها كالأصابع والأسنان ولا اعتبار بزيادة النفع‏,‏ بدليل ما ذكرنا من الأصل‏.‏

فصل‏:‏

فإن ضربهما فأشلهما وجبت ديتهما لأنه أتلف منفعتهما فوجبت ديتهما‏,‏ كما لو أشل يديه وإن تقلصتا فلم تنطبقا على الأسنان أو استرختا فصارتا لا تنفصلان عن الأسنان‏,‏ ففيهما الدية لأنه عطل منفعتهما وجمالهما وإن تقلصتا بعض التقلص وجبت الحكومة لأن منافعهما لم تبطل بالكلية‏.‏

فصل‏:‏

حد الشفة السفلى من أسفل ما تجافى عن الأسنان واللثة مما ارتفع عن جلدة الذقن وحد العليا من فوق ما تجافى عن الأسنان واللثة إلى اتصاله بالمنخرين والحاجز‏,‏ وحدهما طولا طول الفم إلى حاشية الشدقين وليست حاشية الشدقين منهما‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي اللسان المتكلم به الدية‏]‏

أجمع أهل العلم على وجوب الدية في لسان الناطق وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وبه قال أهل المدينة‏,‏ وأهل الكوفة وأصحاب الرأي وأصحاب الحديث‏,‏ وغيرهم وفي كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم‏:‏ ‏(‏وفي اللسان الدية‏)‏ ولأن فيه جمالا ومنفعة فأشبه الأنف فأما الجمال فقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏سئل عن الجمال فقال‏:‏ في اللسان‏)‏ ويقال‏:‏ جمال الرجل في لسانه ‏(‏والمرء بأصغريه قلبه ولسانه‏)‏ ويقال ما الإنسان لولا اللسان إلا صورة ممثلة‏,‏ أو بهيمة مهملة وأما النفع فإن به تبلغ الأغراض وتستخلص الحقوق‏,‏ وتدفع الآفات وتقضى به الحاجات وتتم العبادات في القراءة‏,‏ والذكر والشكر والأمر بالمعروف‏,‏ والنهي عن المنكر والتعليم والدلالة على الحق المبين والصراط المستقيم وبه يذوق الطعام‏,‏ ويستعين في مضغه وتقليبه وتنقية الفم وتنظيفه‏,‏ فهو أعظم الأعضاء نفعا وأتمها جمالا فإيجاب الدية في غيره تنبيه على إيجابها فيه وإنما تجب الدية في لسان الناطق‏,‏ فإن كان أخرس لم تجب فيه دية كاملة بغير خلاف لذهاب نفعه المقصود منه كاليد الشلاء‏,‏ والعين القائمة‏.‏

فصل ‏:‏

وفي الكلام الدية ، فإذا جنى عليه فخرس ، وجبت ديته ؛ لأن كل ما تعلقت الدية بإتلافه ، تعلقت بإتلاف منفعته ، كاليد ‏.‏ فأما إن جنى عليه ، فأذهب ذوقه ، فقال أبو الخطاب ‏:‏ فيه الدية ؛ لأن الذوق حاسة ، فأشبه الشم ‏.‏ وقياس المذهب أنه لا دية فيه ، فإنه لا يختلف في أن لسان الأخرس لا تجب فيه الدية ‏.‏ وقد نص أحمد ، رحمه الله ، على أن فيه ثلث الدية ‏.‏ ولو وجب في الذوق دية ، لوجبت في ذهابه مع ذهاب اللسان بطريق الأولى ‏.‏ واختلف أصحاب الشافعي ؛ فمنهم من قال ‏:‏ قد نص الشافعي على وجوب الدية فيه ‏.‏ ومنهم من قال ‏:‏ لا نص له فيه ‏.‏ ومنهم من قال ‏:‏ قد نص على أن في لسان الأخرس حكومة ، وإن ذهب الذوق بذهابه ‏.‏ والصحيح ، إن شاء الله ، أنه لا دية فيه ؛ لأن في إجماعهم على أن لسان الأخرس لا تكمل الدية فيه ؛ إجماعا على أنها لا تكمل في ذهاب الذوق بمفرده ؛ لأن كل عضو لا تكمل الدية فيه بمنفعته ، لا تكمل بمنفعته دونه ، كسائر الأعضاء ‏.‏ ولا تفريع على هذا القول ‏.‏ فأما على الأول ، فإذا ذهب ذوقه كله ، ففيه دية كاملة ، وإن نقص نقصا غير مقدر ، بأن يحس المذاق كله ، إلا أنه لا يدركه على الكمال ، ففيه حكومة ، كما لو نقص بصره نقصا لا يتقدر ، وإن كان نقصا يتقدر ، بأن لا يدرك بأحد المذاق الخمس ، وهي ‏:‏ الحلاوة ، والمرارة ، والحموضة ، والملوحة ، والعذوبة ، ويدرك بالباقي ، ففيه خمس الدية ، وفي اثنتين خمساها ، وفي ثلاث ثلاثة أخماسها ‏.‏ وإن لم يدرك بواحدة ، ونقص الباقي ، فعليه خمس الدية ، وحكومة لنقص الباقي ‏.‏ وإن قطع لسان أخرس ، فذهب ذوقه ، ففيه الدية ؛ لإتلافه الذوق ‏.‏ وإن جنى على لسان ناطق ، فأذهب كلامه وذوقه ، ففيه ديتان ‏.‏ وإن قطعه ، فذهبا معا ، ففيه دية واحدة ؛ لأنهما يذهبان تبعا لذهابه فوجبت ديته دون ديتهما ، كما لو قتل إنسانا ، لم تجب إلا دية واحدة ‏.‏ ولو ذهبت منافعه مع بقائه ، ففي كل منفعة دية‏.‏

فصل‏:‏

وإن ذهب بعض الكلام وجب من الدية بقدر ما ذهب يعتبر ذلك بحروف المعجم‏,‏ وهي ثمانية وعشرون حرفا سوى ‏"‏ لا ‏"‏ فإن مخرجها مخرج اللازم والألف فمهما نقص من الحروف‏,‏ وجب من الدية بقدره لأن الكلام يتم بجميعها فالذاهب يجب أن يكون عوضه من الدية كقدره من الكلام ففي الحرف الواحد ربع سبع الدية‏,‏ وفي الحرفين نصف سبعها وفي الأربعة سبعها ولا فرق بين ما خف من الحروف على اللسان وما ثقل لأن كل ما وجب فيه المقدر لم يختلف لاختلاف قدره‏,‏ كالأصابع ويحتمل أن تقسم الدية على الحروف التي للسان فيها عمل ودون الشفة وهي أربعة الباء‏,‏ والميم والفاء والواو ودون حروف الحلق الستة الهمزة‏,‏ والهاء والحاء والخاء‏,‏ والعين والغين فهذه عشرة بقي ثمانية عشر حرفا للسان‏,‏ تنقسم ديته عليها لأن الدية تجب بقطع اللسان وذهاب هذه الحروف وحدها مع بقائه فإذا وجبت الدية فيها بمفردها‏,‏ وجب في بعضها بقسطه منها ففي الواحد نصف تسع الدية وفي الاثنين تسعها‏,‏ وفي الثلاثة سدسها وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وإن جنى على شفته فذهب بعض الحروف وجب فيه بقدره‏,‏ وكذلك إن ذهب بعض حروف الحلق بجنايته وينبغي أن تجب بقدره من الثمانية والعشرين وجها واحدا وإن ذهب حرف فعجز عن كلمة لم يجب غير أرش الحرف لأن الضمان إنما يجب لما تلف وإن ذهب حرف‏,‏ فأبدل مكانه حرفا آخر كأنه يقول‏:‏ درهم فصار يقول‏:‏ دلهم أو‏:‏ دغهم أو‏:‏ ديهم فعليه ضمان الحرف الذاهب لأن ما تبدل لا يقوم مقام الذاهب في القراءة ولا غيرها فإن جنى عليه فذهب البدل وجبت ديته أيضا لأنه أصل وإن لم يذهب شيء من الكلام‏,‏ لكن حصلت فيه عجلة أو تمتمة أو فأفأة فعليه حكومة لما حصل من النقص والشين ولم تجب الدية لأن المنفعة باقية وإن جنى عليه جان آخر‏,‏ فأذهب كلامه ففيه الدية كاملة كما لو جنى على عينه جان فعمشت‏,‏ ثم جنى عليها آخر فذهب ببصرها وإن أذهب الأول بعض الحروف وأذهب الثاني بقية الكلام‏,‏ فعلى كل واحد منهما بقسطه كما لو ذهب الأول ببصر إحدى العينين وذهب الآخر ببصر الأخرى وإن كان ألثغ من غير جناية عليه‏,‏ فذهب إنسان بكلامه كله فإن كان مأيوسا من زوال لثغته ففيه بقسط ما ذهب من الحروف‏,‏ وإن كان غير مأيوس من زوالها كالصبي ففيه الدية كاملة لأن الظاهر زوالها وكذلك الكبير إذا أمكن إزالة لثغته بالتعليم‏.‏

فصل‏:‏

إذا قطع بعض لسانه‏,‏ فذهب بعض كلامه فإن استويا مثل أن يقطع ربع لسانه‏,‏ فيذهب ربع كلامه وجب ربع الدية بقدر الذاهب منهما كما لو قلع إحدى عينيه فذهب بصرها وإن ذهب من أحدهما أكثر من الآخر‏,‏ كأن قطع ربع لسانه فذهب نصف كلامه أو قطع نصف لسانه‏,‏ فذهب ربع كلامه وجب بقدر الأكثر وهو نصف الدية في الحالين لأن كل واحد من اللسان والكلام مضمون بالدية منفردا‏,‏ فإذا انفرد نصفه بالذهاب وجب النصف ألا ترى أنه لو ذهب نصف الكلام‏,‏ ولم يذهب من اللسان شيء وجب نصف الدية ولو ذهب نصف اللسان‏,‏ ولم يذهب من الكلام شيء وجب نصف الدية وإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام‏,‏ وجب نصف الدية فإن قطع آخر بقية اللسان فذهبت بقية الكلام‏,‏ ففيه ثلاثة أوجه أحدها عليه نصف الدية هذا قول القاضي وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن السالم نصف اللسان وباقيه أشل بدليل ذهاب نصف الكلام والثاني‏:‏ عليه نصف الدية وحكومة للربع الأشل لأنه لو كان جميعه أشل‏,‏ لكانت فيه حكومة أو ثلث الدية فإذا كان بعضه أشل ففي ذلك البعض حكومة أيضا الثالث‏:‏ عليه ثلاثة أرباع الدية وهذا الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأنه قطع ثلاثة أرباع لسانه‏,‏ فذهب ربع ونصف كلامه فوجبت عليه ثلاثة أرباع الدية كما لو قطعه أولا ولا يصح القول بأن بعضه أشل لأن العضو متى كان فيه بعض النفع‏,‏ لم يكن بعضه أشل كالعين إذا كان بصرها ضعيفا واليد إذا كان بطشها ناقصا وإن قطع نصف لسانه‏,‏ فذهب ربع كلامه فعليه نصف ديته فإن قطع الآخر بقيته‏,‏ فعليه ثلاثة أرباع الدية وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والآخر عليه نصف الدية لأنه لم يقطع إلا نصف لسانه ولنا أنه ذهب بثلاثة أرباع الكلام‏,‏ فلزمه ثلاثة أرباع ديته كما لو ذهب ثلاثة أرباع الكلام بقطع نصف اللسان الأول ولأنه لو أذهب ثلاثة أرباع الكلام مع بقاء اللسان‏,‏ لزمه ثلاثة أرباع الدية فلأن تجب بقطع نصف اللسان في الأول أولى ولو لم يقطع الثاني نصف اللسان‏,‏ لكن جنى عليه جناية أذهبت بقية كلامه مع بقاء لسانه لكان عليه ثلاثة أرباع ديته لأنه ذهب بثلاثة أرباع ما فيه الدية فكان عليه ثلاثة أرباع الدية‏,‏ كما لو جنى على صحيح فذهب بثلاثة أرباع كلامه مع بقاء لسانه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قطع بعض لسانه عمدا‏,‏ فاقتص المجني عليه من مثل ما جنى عليه به فذهب من كلام الجاني مثل ما ذهب من كلام المجني عليه وأكثر فقد استوفى حقه‏,‏ ولا شيء في الزائد لأنه من سراية القود وسراية القود غير مضمونة وإن ذهب أقل فللمقتص دية ما بقي لأنه لم يستوف بدله‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا قطع لسان صغير لم يتكلم لطفوليته ، وجبت ديته ‏.‏ وبهذا قال الشافعي ‏.‏ وقال أبو حنيفة ‏:‏ لا تجب ؛ لأنه لسان لا كلام فيه ، فلم تجب فيه دية ، كلسان الأخرس ‏.‏ ولنا ، أن ظاهره السلامة ، وإنما لم يتكلم لأنه لا يحسن الكلام فوجبت به الدية كالكبير ، ويخالف الأخرس ؛ فإنه علم أنه أشل ، ألا ترى أن أعضاءه لا يبطش بها ، وتجب فيها الدية ‏.‏ وإن بلغ حدا يتكلم مثله ، فلم يتكلم ، فقطع لسانه ، لم تجب فيه الدية ؛ لأن الظاهر أنه لا يقدر على الكلام ، ويجب فيه ما يجب في لسان الأخرس ‏.‏ وإن كبر فنطق ببعض الحروف ، وجب فيه بقدر ما ذهب من الحروف ؛ لأننا تبينا أنه كان ناطقا ‏.‏ وإن كان قد بلغ إلى حد يتحرك بالبكاء وغيره ، فلم يتحرك ، فقطعه قاطع ، فلا دية فيه ؛ لأن الظاهر أنه لو كان صحيحا لتحرك ‏.‏ وإن لم يبلغ إلى حد يتحرك ، ففيه الدية ؛ لأن الظاهر سلامته ‏.‏ وإن قطع لسان كبير ، وادعى أنه كان أخرس ، ففيه مثل ما ذكرنا فيما إذا اختلفا في شلل العضو المقطوع على ما ذكرناه فيما مضى ‏.‏

فصل‏:‏

وإن جنى عليه‏,‏ فذهب كلامه أو ذوقه ثم عاد لم تجب الدية لأننا تبينا أنه لم يذهب‏,‏ ولو ذهب لم يعد وإن كان قد أخذ الدية ردها وإن قطع لسانه فعاد‏,‏ لم تجب الدية أيضا وإن كان قد أخذها ردها قاله أبو بكر وظاهر مذهب الشافعي أنه لا يرد الدية لأن العادة لم تجر بعوده‏,‏ واختصاص هذا بعوده يدل على أنه هبة مجددة ولنا أنه عاد ما وجبت فيه الدية فوجب رد الدية‏,‏ كالأسنان وسائر ما يعود وإن قطع إنسان نصف لسانه فذهب كلامه كله ثم قطع آخر بقيته‏,‏ فعاد كلامه لم يجب رد الدية لأن الكلام الذي كان باللسان قد ذهب ولم يعد إلى اللسان‏,‏ وإنما عاد في محل آخر بخلاف التي قبلها وإن قطع لسانه فذهب كلامه‏,‏ ثم عاد اللسان دون الكلام لم يرد الدية لأنه قد ذهب ما تجب الدية فيه بانفراده وإن عاد كلامه دون لسانه لم يردها أيضا لذلك‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كان للسانه طرفان‏,‏ فقطع أحدهما فذهب كلامه ففيه الدية لأن ذهاب الكلام بمفرده يوجب الدية وإن ذهب بعض الكلام‏,‏ نظرت فإن كان الطرفان متساويين وكان ما قطعه بقدر ما ذهب من الكلام وجب‏,‏ وإن كان أحدهما أكبر وجب الأكثر على ما مضى‏,‏ وإن لم يذهب من الكلام شيء وجب بقدر ما ذهب من اللسان من الدية وإن كان أحدهما منحرفا عن سمت اللسان فهو خلقة زائدة‏,‏ وفيه حكومة وإن قطع جميع اللسان وجبت الدية من غير زيادة سواء كان الطرفان متساويين أو مختلفين وقال القاضي‏:‏ إن كانا متساويين‏,‏ ففيهما الدية وإن كان أحدهما منحرفا عن سمت اللسان وجبت الدية وحكومة في الخلقة الزائدة ولنا‏,‏ أن هذه الزيادة عيب ونقص يرد بها المبيع وينقص من ثمنه فلم يجب فيها شيء كالسلعة في اليد وربما عاد القولان إلى شيء واحد لأن الحكومة لا يخرج بها شيء إذا كانت الزيادة عيبا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي كل سن خمس من الإبل‏,‏ إذا قلعت ممن قد أثغر والأضراس والأنياب كالأسنان‏]‏

لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن دية الأسنان خمس خمس في كل سن وقد روي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس‏,‏ ومعاوية وسعيد بن المسيب وعروة‏,‏ وعطاء وطاوس والزهري‏,‏ وقتادة ومالك والثوري‏,‏ والشافعي وإسحاق وأبي حنيفة‏,‏ ومحمد بن الحسن وفي كتاب عمرو بن حزم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏في السن خمس من الإبل‏)‏ رواه النسائي وعن عمرو بن شعيب عن أبيه‏,‏ عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏في الأسنان خمس خمس‏)‏ رواه أبو داود فأما الأضراس والأنياب فأكثر أهل العلم على أنها مثل الأسنان ومنهم عروة وطاوس وقتادة والزهري ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو حنيفة‏,‏ ومحمد بن الحسن وروي ذلك عن ابن عباس ومعاوية وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى في الأضراس ببعير بعير وعن سعيد بن المسيب‏,‏ أنه قال‏:‏ لو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء وروي ذلك مالك‏,‏ في ‏"‏ موطئه ‏"‏ وعن عطاء نحوه وحكي عن أحمد رواية أن في جميع الأسنان والأضراس الدية فيتعين حمل هذه الرواية على مثل قول سعيد للإجماع على أن في كل سن خمسا من الإبل وورود الحديث به‏,‏ فيكون في الأسنان ستون بعيرا لأن فيه اثني عشر سنا أربع ثنايا وأربع رباعيات‏,‏ وأربعة أنياب فيها خمس خمس وفيه عشرون ضرسا‏,‏ في كل جانب عشرة خمسة من فوق وخمسة من أسفل‏,‏ فيكون فيها أربعون بعيرا في كل ضرس بعيران فتكمل الدية وحجة من قال هذا‏,‏ أنه ذو عدد يجب فيه الدية فلم تزد ديته على دية الإنسان كالأصابع‏,‏ والأجفان وسائر ما في البدن ولأنها تشتمل على منفعة جنس‏,‏ فلم تزد ديتها على الدية كسائر منافع الجنس ولأن الأضراس تختص بالمنفعة دون الجمال‏,‏ والأسنان فيها منفعة وجمال فاختلفا في الأرش ولنا ما روى أبو داود‏,‏ بإسناده عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏الأصابع سواء والأسنان سواء‏,‏ الثنية والضرس سواء‏)‏ هذه وهذه سواء ‏"‏ وهذا نص وقوله في الأحاديث المتقدمة‏:‏ في ‏(‏الأسنان خمس خمس‏)‏ ولم يفصل يدخل في عمومها الأضراس لأنها أسنان ولأن كل دية وجبت في جملة كانت مقسومة على العدد دون المنافع‏,‏ كالأصابع والأجفان والشفتين‏,‏ وقد أومأ ابن عباس إلى هذا فقال‏:‏ لا أعتبرها بالأصابع فأما ما ذكروه من المعنى فلا بد من مخالفة القياس فيه‏,‏ فمن ذهب إلى قولنا خالف المعنى الذي ذكروه ومن ذهب إلى قولهم‏,‏ خالف التسوية الثابتة بقياس سائر الأعضاء من جنس واحد فكان ما ذكرناه مع موافقة الأخبار وقول أكثر أهل العلم أولى وأما على قول عمر‏,‏ أن في كل ضرس بعيرا فيخالف القياسين جميعا والأخبار‏,‏ فإنه لا يوجب الدية الكاملة وإنما يوجب ثمانين بعيرا ويخالف بين الأعضاء المتجانسة وإنما يجب هذا الضمان في سن من قد ثغر‏,‏ وهو الذي أبدل أسنانه وبلغ حدا إذا قلعت سنه لم يعد بدلها ويقال‏:‏ ثغر واثغر‏,‏ واتغر إذا كان كذلك فأما سن الصبي الذي لم يثغر فلا يجب بقلعها في الحال شيء هذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه خلافا وذلك لأن العادة عود سنه‏,‏ فلم يجب فيها في الحال شيء كنتف شعره ولكن ينتظر عودها فإن مضت مدة ييأس من عودها‏,‏ وجبت ديتها قال أحمد يتوقف سنة لأنه هو الغالب في نباتها وقال القاضي‏:‏ إذا سقطت أخواتها ولم تعد هي أخذت الدية وإن نبت مكانها أخرى‏,‏ لم تجب ديتها كما لو نتف شعره فعاد مثله لكن إن عادت قصيرة أو مشوهة ففيها حكومة لأن الظاهر أن ذلك بسبب الجناية عليها وإن أمكن تقدير نقصها عن نظيرتها ففيها من ديتها بقدر ما نقص وكذلك إن كانت فيها ثلمة أمكن تقديرها‏,‏ ففيها بقدر ما ذهب منها كما لو كسر من سنه ذلك القدر وإن نبتت أكبر من أخواتها ففيها حكومة لأن ذلك عيب وقيل فيها وجه آخر‏,‏ لا شيء فيها لأن هذا زيادة والصحيح الأول لأن ذلك شين حصل بسبب الجناية فأشبه نقصها وإن نبتت مائلة عن صف الأسنان بحيث لا ينتفع بها ففيها ديتها لأن ذلك كذهابها‏,‏ وإن كانت ينتفع بها ففيها حكومة للشين الحاصل بها ونقص نفعها وإن نبتت صفراء أو حمراء أو متغيرة‏,‏ ففيها حكومة لنقص جمالها وإن نبتت سوداء أو خضراء ففيها روايتان حكاهما القاضي إحداهما‏,‏ فيها ديتها والثانية فيها حكومة كما لو سودها من غير قلعها وإن مات الصبي قبل اليأس من عود سنه‏,‏ ففيه وجهان أحدهما لا شيء له لأن الظاهر أنه لو عاش لعادت فلم يجب فيها شيء‏,‏ كما لو نتف شعره والثاني‏:‏ فيها الدية لأنه قلع سنا وأيس من عودها فوجبت ديتها كما لو مضى زمن تعود في مثله فلم تعد وإن قلع سن من قد ثغر‏,‏ وجبت ديتها في الحال لأن الظاهر أنها لا تعود فإن عادت لم تجب الدية‏,‏ وإن كان قد أخذها ردها وبهذا قال أصحاب الرأي وقال مالك‏:‏ لا يرد شيئا لأن العادة أنها لا تعود فمتى عادت كانت هبة من الله تعالى مجددة فلا يسقط بذلك ما وجب له بقلع سنه وعن الشافعي كالمذهبين ولنا‏,‏ أنه عاد له في مكانها مثل التي قلعت فلم يجب له شيء كالذي لم يثغر وإن عادت ناقصة‏,‏ أو مشوهة فحكمها حكم سن الصغير إذا عادت على ما ذكرنا ولو قلع سن من لم يثغر‏,‏ فمضت مدة ييأس من عودها وحكم بوجوب الدية فعادت بعد ذلك‏,‏ سقطت الدية وردت إن كانت أخذت كسن الكبير إذا عادت‏.‏

فصل‏:‏

وتجب دية السن فيما ظهر منها من اللثة لأن ذلك هو المسمى سنا‏,‏ وما في اللثة منها يسمى سنخا فإذا كسر السن ثم جاء آخر فقلع السنخ‏,‏ ففي السن ديتها وفي السنخ حكومة كما لو قطع إنسان أصابع رجل‏,‏ ثم قطع آخر كفه وإن قلعها الآخر بسنخها لم يجب فيها أكثر من ديتها كما لو قطع اليد من كوعها وإن فعل ذلك في مرتين‏,‏ فكسر السن ثم عاد فقلع السنخ فعليه ديتها وحكومة لأن ديتها وجبت بالأول‏,‏ ثم وجب عليه بالثاني حكومة كما لو فعله غيره وكذلك لو قطع الأصابع ثم قطع الكف وإن كسر بعض الظهر‏,‏ ففيه من دية السن بقدره وإن كان ذهب النصف وجب نصف الأرش وإن كان الذاهب الثلث‏,‏ وجب الثلث وإن جاء آخر فكسر بقيتها فعليه بقية الأرش فإن قلع الثاني بقيتها بسنخها نظرنا فإن كان الأول كسرها عرضا‏,‏ فليس على الثاني للسنخ شيء لأنه تابع لما قلعه من ظاهر السن فصار كما لو قطع الأول من كل إصبع من أصابعه أنملة ثم قطع الثاني يده من الكوع وإن كان الأول كسر نصف السن طولا دون سنخه‏,‏ فجاء الثاني فقطع الباقي بالسنخ كله فعليه دية النصف الباقي وحكومة لنصف السنخ الذي بقي لما كسره الأول كما لو قطع الأول إصبعين من يد‏,‏ ثم جاء الثاني‏:‏ فقطع الكف كله فإن اختلف الثاني والمجني عليه فيما قلعه الأول فالقول قول المجني عليه لأن الأصل سلامة السن وإن انكشفت اللثة عن بعض السن فالدية في قدر الظاهر عادة دون ما انكشف على خلاف العادة وإن اختلفا في قدر الظاهر‏,‏ اعتبر ذلك بأخواتها فإن لم يكن لها شيء يعتبر به ولم يمكن أن يعرف ذلك أهل الخبرة‏,‏ فالقول قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته‏.‏

فصل‏:‏

وإن قلع سنا مضطربة لكبر أو مرض وكانت منافعها باقية من المضغ وضغط الطعام والريق‏,‏ وجبت ديتها وكذلك إن ذهب بعض منافعها وبقي بعضها لأن جمالها وبعض منافعها باق فكمل ديتها‏,‏ كاليد المريضة ويد الكبير وإن ذهبت منافعها كلها فهي كاليد الشلاء على ما سنذكره -إن شاء الله تعالى- وإن قلع سنا فيها داء أو أكلة‏,‏ فإن لم يذهب شيء من أجزائها وجب فيها دية السن الصحيحة لأنها كاليد المريضة وإن سقط من أجزائها شيء‏,‏ سقط من ديتها بقدر الذاهب منها ووجب الباقي وإن كان إحدى ثنيتيه قصيرة نقص من ديتها بقدر نقصها‏,‏ كما لو نقصت بكسرها‏.‏

فصل‏:‏

فإن جنى على سنه جان فاضطربت وطالت على الأسنان‏,‏ وقيل‏:‏ إنها تعود إلى مدة إلى ما كانت عليه انتظرت إليها فإن ذهبت وسقطت وجبت ديتها‏,‏ وإن عادت كما كانت فلا شيء فيها كما لو جنى على يده فمرضت ثم برئت‏,‏ وإن بقي فيها اضطراب ففيها حكومة وإن قلعها قالع فعليه ديتها كاملة كما ذكرنا في الفصل الذي قبله‏,‏ وعلى الأول حكومة لجنايته وإن مضت المدة ولم تعد إلى ما كانت عليه ففيها حكومة وإن قلعها قالع فعليه ديتها‏,‏ كما ذكرنا وإن قالوا‏:‏ يرجى عودها من غير تقدير مدة وجبت الحكومة فيها لئلا يفضي إلى إهدار الجناية فإن عادت سقطت الحكومة‏,‏ لما ذكرنا في غيرها‏.‏

فصل‏:‏

فإن قلع قالع سنه فردها صاحبها فنبتت في موضعها‏,‏ لم تجب ديتها نص عليه أحمد في رواية جعفر بن محمد وهذا قول أبي بكر وعلى قول القاضي تجب ديتها وهو مذهب الشافعي وقد ذكرنا توجيههما فيما إذا قطع أنفه فرده‏,‏ فالتحم فعلى قول أبي بكر يجب فيها حكومة لنقصها إن نقصت‏,‏ أو ضعفها إن ضعفت وإن قلعها قالع بعد ذلك وجبت ديتها لأنها سن ذات جمال ومنفعة فوجبت ديتها كما لو لم تنقلع وعلى قول القاضي ينبني حكمها على وجوب قلعها‏,‏ فإن قلنا‏:‏ يجب قلعها فلا شيء على قالعها لأنه قد أحسن بقلعه ما يجب قلعه وإن قلنا‏:‏ لا يجب قلعها احتمل أن يؤخذ بديتها لما ذكرنا واحتمل أن لا يؤخذ بديتها لأنه قد وجبت له ديتها مرة‏,‏ فلا تجب ثانية ولكن فيها حكومة فأما إن جعل مكانها سنا أخرى أو سن حيوان‏,‏ أو عظما فنبتت وجب ديتها‏,‏ وجها واحدا لأن سنه ذهبت بالكلية فوجبت ديتها كما لو لم يجعل مكانها شيئا وإن قلعت هذه الثانية لم تجب ديتها لأنها ليست سنا له‏,‏ ولا هي من بدنه ولكن يجب فيها حكومة لأنها جناية أزالت جماله ومنفعته فأشبه ما لو خاط جرحه بخيط‏,‏ فالتحم فقطع إنسان الخيط فانفتح الجرح‏,‏ وزال التحامه ويحتمل أن لا يجب شيء لأنه أزال ما ليس من بدنه أشبه ما لو قلع الأنف الذهب الذي جعله المجدوع مكان أنفه‏.‏

فصل‏:‏

وإن جنى على سنه فسودها فحكي عن أحمد‏,‏ -رحمه الله- في ذلك روايتان إحداهما تجب ديتها كاملة وهو ظاهر كلام الخرقي ويروي هذا عن زيد بن ثابت وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وشريح والزهري وعبد الملك بن مروان والنخعي ومالك والليث وعبد العزيز بن أبي سلمة والثوري‏,‏ وأصحاب الرأي وهو أحد قولي الشافعي والرواية الثانية عن أحمد أنه إن أذهب منفعتها من المضغ عليها ونحوه‏,‏ ففيها ديتها وإن لم يذهب نفعها ففيها حكومة وهذا قول القاضي‏,‏ والقول الثاني للشافعي وهو المختار عند أصحابه لأنه لم يذهب بمنفعتها فلم تكمل ديتها كما لو اصفرت ولنا‏,‏ أنه قول زيد بن ثابت ولم يعرف له مخالف في الصحابة فكان إجماعا‏,‏ ولأنه أذهب الجمال على الكمال فكملت ديتها كما لو قطع أذن الأصم وأنف الأخشم فأما إن اصفرت أو احمرت‏,‏ لم تكمل ديتها لأنه لم يذهب الجمال على الكمال وفيها حكومة وإن اخضرت احتمل أن يكون كتسويدها لأنه يذهب بجمالها‏,‏ واحتمل أن لا يجب فيها إلا حكومة لأن ذهاب جمالها بتسويدها أكثر فلم يلحق به غيره كما لو حمرها فعلى قول من أوجب ديتها‏,‏ متى قلعت بعد تسويدها ففيها ثلث ديتها أو حكومة على ما سنذكره فيما بعد‏,‏ وعلى قول من لم يوجب فيها إلا حكومة يجب في قلعها ديتها كما لو صفرها‏.‏

فصل‏:‏

وفي اللحيين الدية‏,‏ وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان السفلى لأن فيهما نفعا وجمالا وليس في البدن مثلهما فكانت فيهما الدية‏,‏ كسائر ما في البدن منه شيئان وفي أحدهما نصفها كالواحد مما في البدن منه شيئان وإن قلعهما بما عليهما من الأسنان‏,‏ وجبت عليه ديتهما ودية الأسنان ولم تدخل دية الأسنان في ديتهما كما تدخل دية الأصابع في دية الوجه لوجوه ثلاثة أحدها‏,‏ أن الأسنان مغروزة في اللحيين غير متصلة بهما بخلاف الأصابع والثاني‏:‏ أن كل واحد من اللحيين والأسنان ينفرد باسمه‏,‏ ولا يدخل أحدهما في اسم الآخر بخلاف الأصابع والكف فإن اسم اليد يشملهما والثالث‏:‏ أن اللحيين يوجدان قبل وجود الأسنان في الخلقة‏,‏ وتبقيان بعد ذهابها في حق الكبير ومن تقلعت أسنانه عادت بخلاف الأصابع والكف‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي اليدين الدية‏]‏

أجمع أهل العلم على وجوب الدية في اليدين‏,‏ ووجوب نصفها في إحداهما روي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏وفي اليدين الدية وفي الرجلين الدية‏)‏ وفي كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم‏:‏ ‏(‏وفي اليد خمسون من الإبل‏)‏ ولأن فيها جمالا ظاهرا ومنفعة كاملة وليس في البدن من جنسهما غيرهما‏,‏ فكان فيهما الدية كالعينين واليد التي تجب فيها الدية من الكوع لأن اسم اليد عند الإطلاق ينصرف إليها بدليل أن الله تعالى لما قال‏:‏ ‏{‏والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما‏}‏ كان الواجب قطعهما من الكوع‏,‏ وكذلك التيمم يجب فيه مسح اليدين إلى الكوعين فإن قطع يده من فوق الكوع مثل أن يقطعها من المرفق أو نصف الساعد‏,‏ فليس عليه إلا دية اليد نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وهذا قول عطاء وقتادة والنخعي وابن أبي ليلى ومالك وهو قول بعض أصحاب الشافعي وظاهر مذهبه عند أصحابه أنه يجب مع دية اليد حكومة لما زاد لأن اسم اليد لها إلى الكوع ولأن المنفعة المقصودة في اليد‏,‏ من البطش والأخذ والدفع بالكف وما زاد تابع للكف والدية تجب في قطعها من الكوع بغير خلاف‏,‏ فتجب في الزائد حكومة كما لو قطعه بعد قطع الكف قال أبو الخطاب‏:‏ وهذا قول القاضي ولنا‏,‏ أن اليد اسم للجميع إلى المنكب بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأيديكم إلى المرافق‏}‏ ولما نزلت آية التيمم مسحت الصحابة إلى المناكب وقال ثعلب‏:‏ اليد إلى المنكب وفي عرف الناس أن جميع ذلك يسمى يدا فإذا قطعها من فوق الكوع‏,‏ فما قطع إلا يدا فلا يلزمه أكثر من ديتها فأما قطعها في السرقة فلأن المقصود يحصل به‏,‏ وقطع بعض الشيء يسمى قطعا له كما يقال‏:‏ قطع ثوبه إذا قطع جانبا منه وقولهم‏:‏ إن الدية تجب في قطعها من الكوع قلنا‏:‏ وكذلك تجب بقطع الأصابع منفردة ولا يجب بقطعها من الكوع أكثر مما يجب في قطع الأصابع‏,‏ والذكر يجب في قطعه من أصله مثل ما يجب بقطع حشفته فأما إذا قطع اليد من الكوع ثم قطعها من المرفق وجب في المقطوع ثانيا حكومة لأنه وجبت عليه دية اليد بالقطع الأول‏,‏ فوجبت بالثاني حكومة كما لو قطع الأصابع ثم قطع الكف أو قطع حشفة الذكر ثم قطع بقيته‏,‏ أو كما لو فعل ذلك اثنان‏.‏

فصل‏:‏

فإن جنى عليها فأشلها وجبت عليه ديتها لأنه فوت منفعتها فلزمته ديتها‏,‏ كما لو أعمى عينه مع بقائها أو أخرس لسانه وإن جنى على يده فعوجها أو نقص قوتها‏,‏ أو شانها فعليه حكومة لنقصها وإن كسرها ثم انجبرت مستقيمة وجبت حكومة لشينها إن شانها ذلك‏,‏ وإن عادت معوجة فالحكومة أكثر لأن شينها أكثر وإن قال الجاني‏:‏ أنا أكسرها ثم أجبرها مستقيمة لم يمكن من ذلك لأنها جناية ثانية فإن كسرها تعديا ثم جبرها فاستقامت لم يسقط ما وجب من الحكومة في اعوجاجها لأن ذلك استقر حين انجبرت عوجاء‏,‏ وهذه جناية ثانية والجبر الثاني لها دون الأولى ولا يشبه هذا ما إذا ذهب ضوء عينه ثم عاد لأننا تبينا أن الضوء لم يذهب‏,‏ وإنما حال دونه حائل وها هنا بخلافه وتجب الحكومة في الكسر الثاني لأنها جناية ثانية ويحتمل أن لا تجب لأنه أزال ضرر العوج منها‏,‏ فكان نفعا فأشبه ما لو جنى عليه بقطع سلعة أزالها عنه‏.‏

فصل‏:‏

فإن كان له كفان في ذراع أو يدان على عضد‏,‏ وإحداهما باطشة دون الأخرى أو إحداهما أكثر بطشا أو في سمت الذراع والأخرى منحرفة عنه‏,‏ أو إحداهما تامة والأخرى ناقصة فالأولى هي الأصلية والأخرى زائدة‏,‏ ففي الأصلية ديتها والقصاص بقطعها عمدا والأخرى زائدة فيها حكومة سواء قطعها مفردة أو قطعها مع الأصلية وعلى قول ابن حامد‏,‏ لا شيء فيها لأنها عيب فهي كالسلعة في اليد وإن استويا من كل الوجوه فإن كانتا غير باطشتين‏,‏ ففيهما ثلث دية اليد أو حكومة ولا تجب دية اليد كاملة لأنهما لا نفع له فيهما فهما كاليد الشلاء وإن كانتا باطشتين‏,‏ ففيهما جميعا دية اليد وهل تجب حكومة مع ذلك‏؟‏ على وجهين بناء على أن الزائدة هل فيها حكومة أم لا‏؟‏ وإن قطع إحداهما فلا قود لاحتمال أن تكون هي الزائدة‏,‏ فلا تقطع الأصلية بها وفيها نصف ما فيهما إذا قطعتا لتساويهما وإن قطع إصبعا من إحداهما وجب أرش نصف إصبع‏,‏ وفي الحكومة وجهان وإن قطع ذو اليد التي لها طرفان يدا مفردة وجب القصاص فيهما على قول ابن حامد لأن هذا نقص لا يمنع القصاص‏,‏ كالسلعة في اليد وعلى قول غيره‏:‏ لا يجب لئلا يأخذ يدين بيد واحدة ولا تقطع إحداهما لأنا لا نعرف الأصلية فنأخذها ولا نأخذ زائدة بأصلية فأما إن كان له قدمان في رجل واحدة‏,‏ فالحكم على ما ذكرناه في اليدين فإن كانت إحدى القدمين أطول من الأخرى وكان الطويل مساويا للرجل الأخرى فهو الأصلي‏,‏ وإن كان زائدا عنها والآخر مساو للرجل الأخرى فهو الأصلى وإن كان له في كل رجل قدمان‏,‏ يمكنه المشى على الطويلتين مشيا مستقيما فهما الأصليان وإن لم يمكنه‏,‏ فقطعا وأمكنه المشى على القصيرتين فهما الأصليان‏,‏ والآخران زائدان وإن أشل الطويلتين ففيهما الدية لأن الظاهر أنهما الأصليان فإن قطعهما قاطع‏,‏ فأمكنه المشى على القصيرتين تبين أنهما الأصليان وإن لم يمكنه فالطويلان هما الأصليان‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي الثديين الدية‏,‏ سواء كان من رجل أو امرأة‏]‏

أما ثديا المرأة ففيهما ديتهما لا نعلم فيه بين أهل العلم خلافا وفي الواحد منهما نصف الدية قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم‏,‏ على أن في ثدي المرأة نصف الدية وفي الثديين الدية وممن حفظنا ذلك عنه الحسن والشعبي والزهري ومكحول وقتادة ومالك والثوري والشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي ولأن فيهما جمالا ومنفعة فأشبها اليدين والرجلين وفي أحدهما نصف الدية لأن كل عضوين وجبت الدية فيهما وجب في أحدهما نصفها كاليدين وفي قطع حلمتي الثديين ديتهما نص عليه أحمد‏,‏ -رحمه الله- وروي نحو هذا الشعبي والنخعي‏,‏ والشافعي وقال مالك والثوري‏:‏ إن ذهب اللبن وجبت ديتهما‏,‏ وإلا وجبت حكومة بقدر شينه ونحوه قال قتادة‏:‏ إذا ذهب الرضاع بقطعهما ففيهما الدية ولنا أنه ذهب منهما ما تذهب المنفعة بذهابه‏,‏ فوجبت ديتهما كالأصابع مع الكف وحشفة الذكر‏,‏ وبيان ذهاب المنفعة أن بهما يشرب الصبي ويرتضع فهما كالأصابع في الكف وإن قطع الثديين كلهما فليس فيهما إلا دية كما لو قطع الذكر كله وإن حصل مع قطعهما جائفة‏,‏ وجب فيها ثلث الدية مع ديتهما وإن حصل جائفتان وجبت دية وثلثان وإن ضربهما فأشلهما ففيهما الدية‏,‏ كما لو أشل يديه وإن جنى عليهما فأذهب لبنهما من غير أن يشلهما فقال أصحابنا‏:‏ فيهما حكومة وهذا قول أصحاب الشافعي ويحتمل أن تجب ديتهما لأنه ذهب بنفعهما‏,‏ فأشبه ما لو أشلهما وهذا ظاهر قول مالك والثوري وقتادة وإن جنى عليهما من صغيرة ثم ولدت‏,‏ فلم ينزل لها لبن سئل أهل الخبرة فإن قالوا‏:‏ إن الجناية سبب قطع اللبن‏,‏ فعليه ما على من ذهب باللبن بعد وجوده وإن قالوا‏:‏ ينقطع بغير الجناية لم يجب عليه أرشه لأن الأصل براءة ذمته فلا يجب فيها شيء بالشك وإن جنى عليهما فنقص لبنهما‏,‏ أو جنى على ثديين ناهدين فكسرهما أو صار بهما مرض ففيه حكومة لنقصه الذي نقصهما‏.‏

فصل‏:‏

فأما ثديا الرجل‏,‏ وهما الثندوتان ففيهما الدية وبهذا قال إسحاق وحكي ذلك قولا للشافعي وقال النخعي ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر‏:‏ فيهما حكومة وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنه ذهب بالجمال من غير منفعة فلم تجب الدية‏,‏ كما لو أتلف العين القائمة واليد الشلاء وقال الزهري‏:‏ في حلمة الرجل خمس من الإبل وعن زيد بن ثابت‏:‏ فيه ثمن الدية ولنا أن ما وجب فيه الدية من المرأة وجب فيه من الرجل‏,‏ كاليدين وسائر الأعضاء ولأنهما عضوان في البدن يحصل بهما الجمال‏,‏ ليس في البدن غيرهما من جنسهما فوجبت فيهما الدية كاليدين ولأنه أذهب الجمال‏,‏ فوجبت الدية كالشعور الأربعة عند أبي حنيفة وكأذني الأصم وأنف الأخشم عند الجميع‏,‏ ويفارق العين القائمة لأنه ليس فيها جمال كامل ولأنها عضو قد ذهب منه ما تجب فيه الدية فلم تكمل ديته‏,‏ كاليدين إذا شلتا بخلاف مسألتنا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وفي الأليتين الدية‏]‏

قال ابن المنذر‏:‏ كل من نحفظ عنه من أهل العلم يقولون‏:‏ في الأليتين الدية وفي كل واحدة منهما نصفها منهم عمرو بن شعيب والنخعي‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي ولأنهما عضوان من جنس فيهما جمال ظاهر‏,‏ ومنفعة كاملة فإنه يجلس عليهما كالوسادتين فوجب فيهما الدية‏,‏ وفي إحداهما نصفها كاليدين والأليتان‏:‏ هما ما علا وأشرف من الظهر عن استواء الفخذين وفيهما الدية إذا أخذتا إلى العظم الذي تحتهما وفي ذهاب بعضهما بقدره لأن ما وجبت الدية فيه‏,‏ وجب في بعضه بقدره فإن جهل المقدار وجبت حكومة لأنه نقص لم يعرف قدره‏.‏

فصل‏:‏

وفي الصلب الدية إذا كسر فلم ينجبر لما روي في كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم‏:‏ ‏(‏وفي الصلب الدية‏)‏ وعن سعيد بن المسيب‏,‏ أنه قال مضت السنة أن في الصلب الدية وهذا ينصرف إلى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وممن قال بذلك زيد بن ثابت وعطاء والحسن والزهري ومالك وقال القاضي وأصحاب الشافعي‏:‏ ليس في كسر الصلب دية إلا أن يذهب مشيه أو جماعه فتجب الدية لتلك المنفعة لأنه عضو لم تذهب منفعته‏,‏ فلم تجب فيه دية كاملة كسائر الأعضاء ولنا الخبر‏,‏ ولأنه عضو ليس في البدن مثله فيه جمال ومنفعة فوجبت الدية فيه بمفرده‏,‏ كالأنف وإن ذهب مشيه بكسر صلبه ففيه الدية في قول الجميع ولا يجب أكثر من دية لأنها منفعة تلزم كسر الصلب غالبا‏,‏ فأشبه ما لو قطع رجليه وإن لم يذهب مشيه لكن ذهب جماعه ففيه الدية أيضا روي ذلك عن علي رضي الله عنه لأنه نفع مقصود‏,‏ فأشبه ذهاب مشيه وإن ذهب جماعه ومشيه وجبت ديتان في ظاهر كلام أحمد‏,‏ -رحمه الله- في رواية ابنه عبد الله لأنهما منفعتان تجب الدية بذهاب كل واحدة منهما منفردة فإذا اجتمعتا وجبت ديتان‏,‏ كالسمع والبصر وعن أحمد‏:‏ فيهما دية واحدة لأنهما نفع عضو واحد فلم يجب فيها أكثر من دية واحدة كما لو قطع لسانه فذهب كلامه وذوقه وإن جبر صلبه‏,‏ فعادت إحدى المنفعتين دون الأخرى لم يجب إلا دية إلا أن تنقص الأخرى‏,‏ فتجب حكومة لنقصها أو تنقص من جهة أخرى فيكون فيه حكومة لذلك وإن ادعى ذهاب جماعه‏,‏ وقال رجلان من أهل الخبرة‏:‏ إن مثل هذه الجناية يذهب بالجماع فالقول قول المجني عليه مع يمينه لأنه لا يتوصل إلى معرفة ذلك إلا من جهته وإن كسر صلبه فشل ذكره اقتضى كلام أحمد‏,‏ وجوب ديتين لكسر الصلب واحدة وللذكر أخرى وفي قول القاضي ومذهب الشافعي يجب في الذكر دية‏,‏ وحكومة لكسر الصلب وإن أشل رجليه ففيهما دية أيضا وإن أذهب ماءه دون جماعه احتمل وجوب الدية وهذا يروى عن مجاهد قال بعض أصحاب الشافعي هو الذي يقتضيه مذهب الشافعي لأنه ذهب بمنفعة مقصودة‏,‏ فوجبت الدية كما لو ذهب بجماعه أو كما لو قطع أنثييه أو رضهما ويحتمل أن لا تجب الدية كاملة لأنه لم يذهب بالمنفعة كلها‏.‏